كيف تعطي نصيحة؟
مهما تنوعت سبل الاتصال ووسائل الدعوة والتأثير.. فإن الكلمة الصادقة والنصيحة المباشرة المخلصة ستظل تحتل مكانة عالية وأساسية في عالم الدعوة.
فلقد كان تقديم النصيحة رسالة كل رسل الله عليهم السلام، فقد سجَّل القرآن الكريم على لسان نوح ـ عليه السلام ـ قوله لقومه: }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ{ [الأعراف: 62]. وعلى لسان هود ـ عليه السلام ـ : }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ{ [الأعراف: 68]. وعلى لسان صالح ـ عليه السلام ـ : }يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ{ [الأعراف: 79]. وعلى لسان شعيب ـ عليه السلام ـ : }لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ{ [الأعراف: 93].
ولقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى تلك المكانة العليا للنصيحة؛ حيث عرَّف الدين بأنه النصح للمسلمين، فقال: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قيل: لِمَنْ؟ قَالَ: ((لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)) [مسلم].
كما أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ البيعة من الصحابة عليها ضمن أفعال ثلاثة؛ فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)). [البخاري].
من معاني النصيحة
والنصيحة تحمل في معناها ضمن ما تحمل: الإخلاص والصدق والنقاء والصراحة والصفاء؛ فهي مشتقة من الفعل "نصح" أي: خَلَصَ، والناصحُ: النقي الخالص من كل شيء، والنُّصْح: نقيض الغِشِّ، ويقال: نَصَحْتُ له، أَي: أَخْلَصْتُ وصَدَقْتُ. كما تحمل أيضًا معنى الإصلاح والنماء.. يقال: نَصَحَ الغيثُ البلادَ نَصْحًا إِذا اتصل نبتها فلم يكن فيه فَضاء ولا خَلَلٌ [لسان العرب]. وقال ابن الأَثير: النصيحة: كلمة يُعَبَّر بها عن جملة، هي "إِرادة الخير للمنصوح له"، فليس يمكن أَن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها.
والنصيحة لله تعني:
صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإِخلاص النية في عبادته، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنـزيهه من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والاعتراف بنعمته وشكره عليها.
والنصيحة لكتاب الله تعني
: التصديق به والعمل بما فيه، وتعظيمه، وتلاوته حق تلاوته، والذب عنه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، ونشر علومه.
والنصيحة للرسول تعني:
التصديق بنبوَّته ورسالته، والانقياد لما أَمر به ونهى عنه، ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه.
والنصيحة لأئمة المسلمين تعني:
معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وألا يُغَرُّوا بالثناء الكاذب عليهم، والدعاء لهم بالصلاح.
والنصيحة لعامَّة المسلمين تعني
: إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وتنشيط هممهم إلى الطاعات.